فضل لا إله إلا الله
من كتاب عقيدة أهل السنة والجماعة
للشيخ/ أحمد فريد – حفظه الله
قال في معارج القبول ما ملخصه:
كلمة الشهادة هي سبيل الفوز والسعادة، الفوز بدخول الجنة والنجاة من النار كما قال – تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز}[1] ، ولا سعادة في الدارين إلا عن طريقها فهي الكلمة التي أرسل الله بها رسله، وأنزل بها كتبه، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة، وبها تؤخذ الكتب باليمين والشمال ويثقل الميزان أو يخف، وبها النجاة من النار بعد الورود، وبعدم التزامها البقاء في النار، وبها أخذ الله الميثاق، وعليها الجزاء والمحاسبة، وعنها السؤال يوم التلاق إذ يقول تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[2] .
وهي أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده أن هداهم إليها، ولهذا ذكرها في سورة النحل التي هي صورة النِّعم فقدمها أولًا قبل كل نعمة فقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[3] , وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة.
وهي أصل الدين وأساسه، ورأس أمره، وساق شجرته، وعمود فسطاطه، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها متشبهة منها، مكملات لها، مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله – عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}[4] . وهي العهد الذي ذكر الله – عز وجل - إذ يقول: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}[5] .
وهي الحسنى التي قال الله – عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[6] ، وهي كلمة الحق التي قال الله – عز وجل: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[7] . وهي كلمة التقوى التي قال الله – عز وجل: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}[8] ، وهي القول الثابت الذي ذكر الله – عز وجل – إذ يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}[9] ، كما في الصحيح عن البراء بن عازب عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم[10] . وهي الكلمة الطيبة المضروبة مثلًا إذ يقول تعالى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }[11] ، أصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها العمل الصالح في السماء صاعد إلى الله – عز وجل.وهي الحسنة التي قال الله – عز وجل: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}[12] . وهي المثل الأعلى الذي ضربه الله – عز وجل: { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }[13] .
وهي سبب النجاة كما في مسلم أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سمع مؤذنًا يقول: ((أشهد أن لا إله إلا الله))، فقال – صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((خرجت من النار))[14] . وهي سبب دخول الجنة كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق؛ أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ))[15] . وفي رواية (( على ما كان عمل )) . وهي أفضل ما ذكر الله به، وأثقل شيء في الميزان، ويكفي في فضل لا إله إلا الله إخبار النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنها أعلى جميع شعب الإيمان كما في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( الإيمان بضع وسبعون شعبة – أو بضع وستون شعبة – فأفضلها قول: لا إله إلى الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ))[16] . الحديث. [17]
__________________
[1]سورة آل عمران: 185.
[2]سورة الحجر: 92، 93.
[3]سورة النحل: 2.
[4]سورة البقرة: 256.
[5]سورة مريم: 87.
[6]سورة الليل: 5- 7.
[7]سورة الزخرف: 86.
[8]سورة الفتح: 26.
[9]سورة إبراهيم: 27.
[10]رواه البخاري (8/ 378) التفسير بلفظ: المؤمن إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)) فذلك قوله: { يُثَبِّتُ اللَّهُ...} الآية.
[11]سورة إبراهيم: 24.
[12]سورة النمل: 89.
[13]سورة الروم: 27.
[14]رواه مسلم (4/ 84) الصلاة.
[15]رواه البخاري (1/ 474) الأنبياء، ومسلم (1/ 227) الإيمان وقال النووي: هذا حديث عظيم الموقع وهو أجمع أو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد؛ فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع فيه ما يخرج عن جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها فاختصر – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في هذه الأحرف ما يباين به جميعهم وسمى عيسى – عليه السلام – كلمة؛ لأنه كان بكلمة كن فحسب من غير أب بخلاف غيره من بني آدم وروح منه أي مخلوقة من عنده (1/ 227) باختصار.
[16]رواه البخاري (1/ 5) الإيمان، ومسلم (2/ 6) الإيمان بلفظه.
[17]معارج القبول (1/ 369- 372)، وابن ماجه (57) المقدمة، والنسائي (8/ 110) شعب الإيمان.